الولايات المتأرجحة .. ساحة الحسم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية
تتجه الأنظار في كل انتخابات رئاسية أمريكية إلى عدد محدود من الولايات التي تقف على خط فاصل بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وتعرف بـ”الولايات المتأرجحة” أو “الأرجوانية”؛ إذ لا يمكن توقع نتائج التصويت فيها بسهولة، مما يمنحها القوة لتغيير مجرى السباق الانتخابي في اللحظات الحاسمة، وتحديد هوية ساكن البيت الأبيض.
هذه الولايات التي تجمع بين تناقضات الولاءات السياسية تمثل ساحات معارك سياسية حاسمة بين الحزبين الرئيسيين، لتحديد الفائز بقيادة الولايات المتحدة لولاية رئاسية تمتد لأربع سنوات.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 5 نوفمبر 2024، يزداد التنافس بين المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس، والمرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، مما يعيد إلى الأذهان أهمية الولايات “المتأرجحة” في حسم نتائج الانتخابات، عبر كسب أصوات الناخبين الذين قد يغيرون اتجاهاتهم في كل دورة انتخابية.
تقسم الولايات الأمريكية إلى ثلاثة ألوان رئيسية تعكس ولاءاتها السياسية، فمنذ نهايات القرن العشرين، أشير إلى الولايات التي تميل في تصويتها للحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية بالولايات “الحمراء” مثل “ألاباما” و”فلوريدا”، والتي تركز في توجهاتها السياسية المحافظة على الحكومة الأصغر والضرائب المنخفضة.
في حين يشار إلى الولايات التي تميل للحزب الديمقراطي باللون “الأزرق” مثل كاليفورنيا ونيويورك، والتي تتبنى سياسات تقدمية تدعم العدالة الاجتماعية وحماية البيئة، وتعكس التركيبة السكانية الديناميكية والتوجهات الليبرالية.
ولا تخلو أي من الولايات الخمسين في البلاد من توفر عناصر وتوجهات جمهورية وديمقراطية أو فئات محافظة أو ليبرالية في الوقت ذاته، ويظهر ذلك بوضوح من خلال نتائج الانتخابات الرئاسية في كل دورة.
في المقابل، تشمل الولايات “الأرجوانية” أو “المتأرجحة”، تلك التي تفتقر إلى ولاء ثابت لأي من الحزبين، حيث تعتبر ساحات تنافس حيوية، وكل صوت فيها ذا قيمة مضاعفة. ويقضي المرشحون الرئاسيون وقتا في الحملات الانتخابية في هذه الولايات، وينفقون مئات الملايين من الدولارات على الإعلانات التلفزيونية والإذاعية.
تتغير خريطة الولايات “الأرجوانية” مع كل دورة انتخابية، استجابة للمرشحين وسياساتهم، مما يؤدي إلى تحولات دراماتيكية أو تعديلات دقيقة في الديناميكيات الانتخابية. وفي انتخابات 2024، يتوقع أن تشهد 6 ولايات تأرجحا، وهي: أريزونا، وميشيغان، وجورجيا، وبنسلفانيا، ونيفادا، وويسكونسن، مما يبرز أهمية القدرة على التكيف في الاستراتيجيات السياسية.
وتستند الولايات “المتأرجحة” إلى مجموعة من العوامل الديناميكية التي تسهم في تغير ولاءاتها الانتخابية من دورة إلى أخرى، ومن أبرز تلك العوامل، تلعب التغيرات الديموغرافية دورا بارزا، حيث تؤثر الهجرة وتغير التركيبة السكانية على تفضيلات الناخبين.
وفي السياق ذاته، تعتبر الظروف الاقتصادية مؤثرا رئيسيا في تلك الولايات، فعندما ترتفع معدلات البطالة فيها أو يتراجع النمو، فإن الناخبين يميلون إلى البحث عن بدائل تتعلق بالأحزاب والمرشحين القادرين على تحسين الوضع الاقتصادي، وتوفير فرص العمل، مما يجعل الاقتصاد موضوعا مركزيا في الحملات الانتخابية.
ولا تقل القضايا الاجتماعية، مثل الهجرة غير النظامية والرعاية الصحية وحقوق الأقليات، أهمية في لعب دور حاسم في تشكيل آراء الناخبين، حيث تكتسب هذه القضايا أهمية متزايدة في اهتماماتهم.
فعلى سبيل المثال، أثرت جائحة كورونا (كوفيد-19) بشكل كبير على القضايا المتعلقة بالرعاية الصحية في انتخابات عام 2020، مما جعلها محور اهتمام الناخبين خاصة في الولايات “المتأرجحة”، في ظل مخاوفهم بشأن تكاليف الرعاية الصحية وفعالية أنظمة التأمين.
وأظهرت نتائج الاستطلاعات آنذاك أن الناخبين يميلون إلى دعم المرشحين الذين يقدمون خططا واضحة ومبتكرة لتحسين خدمات الرعاية الصحية وتخفيف الأعباء المالية، مما يعكس أهمية هذه القضية في تشكيل قراراتهم الانتخابية.
وفي ما يخص قضية الهجرة، فهي تعكس انقساما عميقا في آراء الناخبين، حيث يتفاعل الناخبون بشكل متفاوت مع سياسات الهجرة، فبينما يدعم بعضهم تشديد الرقابة على الحدود، يفضل آخرون سياسات أكثر تسامحا تجاه المهاجرين، مما يزيد من تعقيد المشهد الانتخابي في الولايات المتأرجحة.
على صعيد آخر، تؤثر القضايا الإقليمية والدولية بشكل كبير على تصويت الناخبين، خاصة في الولايات المتأرجحة، حيث تعطي استطلاعات الرأي أهمية خاصة للسياسات الخارجية التي تحمي الأمن الوطني.
وتتأثر مواقف الناخبين بالتحديات الدولية، مثل الأحداث الجارية في الشرق الأوسط، والأزمة الروسية الأوكرانية، فغالبا ما يتطلع الناخبون إلى كيفية استجابة المرشحين لهذه القضايا، ومدى تأثير سياساتهم الخارجية على الأمن القومي للولايات المتحدة.
كما تساهم الحملات الانتخابية واستراتيجيات المرشحين في توجيه اهتمامات الناخبين، حيث تستثمر الحملات موارد كبيرة في هذه الولايات لجذب الناخبين المترددين.
كل هذه العوامل مجتمعة تجعل من الولايات “المتأرجحة” مسرحا للمعارك الانتخابية الحاسمة، وتتيح لها القدرة على تغيير موازين القوى في كل دورة انتخابية، مما يضطر الحملات الانتخابية للمرشحين لتكييف استراتيجياتها ورسائلها بما يتناسب مع هذه الديناميكيات.
وبشأن استطلاعات الرأي حول انتخابات نوفمبر المقبل، تسهم تلك الاستطلاعات بشكل كبير في تشكيل الرأي العام حول الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وتعكس المشهد السياسي المتغير.
وبعد انسحاب الرئيس جو بايدن وترشح كمالا هاريس في أغسطس الماضي، أظهرت غالبية استطلاعات الرأي تقدما طفيفا لها على ترامب في عدة ولايات، بما في ذلك بعض الولايات “المتأرجحة”، رغم أن هناك استطلاعات أخرى كشفت عن تقدم محدود لترامب على مستوى الولايات أو في بعض الولايات “المتأرجحة”.
ومن المبكر جدا التنبؤ بالمرشح الأكثر حظا للفوز بالرئاسية المقبلة استنادا إلى الاستطلاعات خلال السباق الانتخابي، نظرا لوجود هامش خطأ في النتائج، وقد تطرأ أحداث تؤثر على آراء الناخبين واختياراتهم، فضلا عن أن عدة استطلاعات في مناسبات سابقة أثبتت عدم دقتها، كما حدث في انتخابات عامي 2016 و2020، مما يزيد من تعقيد الأمور ويجعل من الصعب التكهن بالنتائج النهائية.
وفي استطلاع لمؤسسة “غالوب” في 29 أغسطس 2024، ظهر ارتفاع في حماسة الناخبين الديمقراطيين إلى 78% بعد ترشح هاريس، مقارنة بـ55% في مارس الماضي، بينما بلغت نسبة حماسة الجمهوريين 64%. كما أظهر استطلاع /فوكس نيوز/، في اليوم ذاته، أن 96% من الديمقراطيين يدعمون هاريس، بينما 94% من الجمهوريين يدعمون ترامب، مع تفضيل المستقلين لهاريس بفارق 6%.
إلى ذلك، أشار استطلاع للرأي أجرته صحيفة “نيويورك تايمز”، ومعهد أبحاث كلية سيينا، ونشر في 10 أغسطس الماضي، إلى زيادة رضا الناخبين الديمقراطيين عن هاريس في ولايات “متأرجحة” هي: بنسلفانيا وميشيغان وويسكنسن، بنسبة 27 في المئة، مقارنة بما كان عليه الحال في مايو الماضي.
وعلى مستوى الولايات، أظهر موقع تحليل استطلاعات الرأي 538، في 27 أغسطس الماضي، تقدم هاريس بمتوسط 3.5%، بينما أظهر تحليل آخر أجرته صحيفة “واشنطن بوست” تقدم ترامب بنسبة 2%.
لكن بحسب استطلاع “مجموعة ترافالغار”، نهاية أغسطس الماضي، ظهر تعادل فعلي بين هاريس وترامب في ثلاث من الولايات “المتأرجحة” في الغرب الأوسط، كما أشار استطلاع مجلس العلاقات الأمريكية – الإسلامية /كير – CAIR/، في الشهر ذاته، إلى أن 29.4% من المسلمين الأمريكيين ينوون التصويت لهاريس.
تستمر الولايات المتأرجحة في جذب اهتمام الناخبين مع اقتراب الانتخابات في نوفمبر 2024، حيث من المحتمل أن تنضم ولايات جديدة إلى هذه الفئة، ويتوقع أن تظل تلك الولايات ليس فقط منصات لتوجيه الرسائل السياسية فحسب، بل أيضا مؤشرات حيوية على مستقبل السياسة الأمريكية.
كما أن فهم الدوافع وراء تصويت الناخبين في هذه الولايات سيكون مفتاحا لتشكيل استراتيجيات الحملات الانتخابية، مما يعكس أهمية العوامل الاقتصادية والاجتماعية والدولية في تشكيل آراء المواطنين الأمريكيين.